فصل: تفسير الآية رقم (17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال صاحب روح البيان:

وعد بعض العلماء الكبائر إلى سبعين منها: الفرار من الجيش في الغزو إذا كان مثلًا أو ضعفًا، وكل ما كان شنيعًا بين المسلمين وفيه هتك حرمة الله والدين فهي كبيرة تسقط العدالة في الشهادة، فعلى العاقل أن يقدم على الحرب بقلب جريء ويعلم أن الجبن لا يؤخر أجله وأن الإقدام على القتال لا يعجل موته ويتشبه الغازي في أوان المقاتلة بأصناف من الخلق فيكون كقلب الأسد لا يجبن ولا يفر كما أن الأسد مقدام غير جبان وكرار غير فرار وفي كبر النمر بالفارسية (لنك) لا يتواضع للعدو وفي شجاعة الدب يقاتل بجميع جوارحه وفي جملة الخنزير لا يولي دبره إذا حمل أي لا يعرض وجهه عما توجه إليه وفي إغارة الذئب إذا يئس من وجه أغار من وجه آخر والإغارة بالفارسية (يغما كردن)، وفي حمل السلاح الثقيل كالنملة تحمل أضعاف وزن بدنها وفي الثبات كالحجر لا يزول عن مكانه وفي الصبر كالحمار وفي الوفاء كالكلب لو دخل سيده النار يتبعه، وفي التماس الفرصة والظفر كالديك ويكون في الصف ساكنًا كالمصلي الخاشع، ويكون في متابعة أمير العسكر كمتابعة المأموم إمامه في الصلاة أي لا يخالفه أصلًا ويغطي نفسه بالسلاح كتغطية البكر نفسها بالثياب إذا زفت أي أرسلت إلى الزوج وفي تكثير قليل سلاحه وماله كالمرائي إذا قل ماله وعبادته ويكون في المكر والحيلة إذا هزمه العدو أي غلب عليه كالثعلب إذا اضطره الكلب فإن مدار الحرب على الخداع وفي التبختر والخيلاء بين الصفين كالعروس وفي الخفة في تحريف القتال من جانب إلى آخر كالصبي وفي صياحه إذا صاح بالعدو كالرعد وهو اسم ملك على قول وفي سوء ظنه أي في الحذر عما يهلكه في جميع أحواله كالغراب الأبقع وهو الذي فيه سواد وبياض وفي حراسته والاحتراز عن المكاره كالكركي وهو طير معروف لازوردي اللون يشابه اللقلق في الهيئة بالفارسية (كلتك) ومن الحيوان الذي لا يصلح إلا برئيس لأن في طبعه الحرس والتحارس بالنوبة والذي يحرس يهتف بصوت خفي كأنه ينذر بأنه حارس فإذا قضى نوبته قام الذي كان نائمًا يحرس مكانه حتى يقضي كل ما يلزمه من الحراسة.
قال القزويني والكركي: لا يمشي على الأرض إلا بإحدى رجليه ويعلق الأخرى وإن وضعها وضعها خفيفًا مخافة أن تخسف به الأرض كذا في حياة الحيوان. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال الألوسي:
هذا ومن باب الإشارة في الآيات: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال}
إذ لم يرتفع عنهم إذ ذاك حجاب الأفعال {قُلِ الانفال لِلَّهِ والرسول} أي حكمها مختص بالله تعالى حقيقة وبالرسول مظهرية {فاتقوا الله} بالاجتناب عن رؤية الأفعال برؤية فعل الله تعالى: {وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} بمحو صفات نفوسكم التي هي منشأ صدوركم ما يوجب التنازع والتخالف {وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} بفنائها ليتيسر لكم قبول الأمر بالإرادة القلبية الصادقة {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1] الايمان الحقيقي {إِنَّمَا المؤمنون} كذلك {الذين إِذَا ذُكِرَ الله} بملاحظة عظمته تعالى وكبريائه وسائر صفاته وهو ذكر القلب وذكره سبحانه وتعالى بالأفعال ذكر النفس {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} أي خافت لإشراق أنوار تجليات تلك الصفات عليها {إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله} بالترقي من مقام العلم إلى العين.
وقد جاء أن الله تعالى تجلى لعباده في كلامه لو يعلمون {وعلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2] إذ لا يرون فعلًا لغيره تعالى، وذكر بعض أهل العلم أنه سبحانه وتعالى نبه أولًا: بقوله عز قائلًا: {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} على بدء حال المريد لأن قلبه لم يقو على تحمل التجليات في المبدأ فيحصل له الوجه كضرمة السعفة ويقشعر لذلك جلده وترتعد فرائصه، وأما المنتهى فقلما يعرض له ذلك لما أنه قد قوى قلبه على تحمل التجليات وألفها فلا يتزلزل لها ولا يتغير، وعلى هذا حمل السهر وردى قدس سره ما روى عن الصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه أنه رأى رجلًا يبكي عند قراءة القرآن فقال: هكذا كنا حتى قست القلوب حيث أراد حتى قويت القلوب إذ أدمنت سماع القرآن وألفت أنواره فما تستغربه حتى تتغير، ونبه ثانيًا: سبحانه وتعالى بقوله جل وعلا: {زَادَتْهُمْ إيمانا} على أخذ المريد في السلوك والتجلي وعروجه في الأحوال، وثالثًا: بقوله عز شأنه {وعلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} على صعوده في الدرجات والمقامات، وفي تقديم المعمول إيذان بالتبري عن الحول والقوة والتفويض الكامل وقطع النظر عما سواه تعالى، وفي صيغة المضارع تلويح إلى استيعاب مراتب التوكل كلها، وهو كما قال العارف أبو إسماعيل الأنصاري أن يفوق الأمر كله إلى مالكه ويعول على وكالته، وهو من أصعب المنازل، وهو دليل العبودية التي هي تاج الفخر عند الأحرار، والظاهر أن الخوف الذي هو خوف الجلال والعظمة يتصف به الكاملون أيضاف ولا يزول عنهم أصلًا وهذا بخلاف خوف العقاب فإنه يزول، وإلى ذلك الإشارة بما شاع في الأثر: «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» {الذين يُقِيمُونَ الصلاة} أي صلاة الحضور القلبي وهي المعراج المعنوي إلى مقام القرب {وَمِمَّا رزقناهم} من العلوم التي حصلت لهم بالسير {يُنفِقُونَ} [الأنفال: 3] {أُوْلئِكَ هُمُ المؤمنون حَقًّا} لأنهم الذي ظهرت فيهم الصفات الحقة وغدوا مرايا لها ومن هنا قيل: المؤمن مرآة المؤمن {لَّهُمْ درجات عِندَ رَبّهِمْ} من مراتب الصفات وروضات جنات القلب {وَمَغْفِرَةٌ} لذنوب الأفعال {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 4] من ثمرات أشعار التجليات الصفاتية، وق لبعض العارفين: المغفرة إزالة الظلمات الحاصلة من الاشتغال بغير الله تعالى والرزق الكريم الأنوار الحاصلة بسبب الاستغراق في معرفته ومحبته وهو قريب مما ذكرنا {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ} متلبسًا {بالحق وَإِنَّ فَرِيقًا مّنَ المؤمنين} وهم المحتجبون برؤية الأفعال {لَكَّرِهُونَ} [الأنفال: 5] أي حالهم في تلك الحال كحالهم في هذه الحال {يجادلونك فِي الحق بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ} [الأنفال: 6] لك أولهم بالمعجزات {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} بالبراءة عن الحول والقوة والانسلاخ عن ملابس الأفعال والصفات النفسية {فاستجاب لَكُمْ} عند ذلك {أَنّي مُمِدُّكُمْ} من عالم الملكوت لمشابهة قلوبكم إياه حينئذ {بِأَلْفٍ مّنَ الملائكة} أي القوى السماوية وروحانياتها {مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] لملائكة أخرى وهو إجمال ما في آل عمران {وَمَا جَعَلَهُ الله} [آل عمران: 124، 125] أي ما جعل الله تعالى الإمداد {إِلاَّ بشرى} أي بشارة لكم بالنصر {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} لما فيها من اتصالها بما يناسبها {وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} والأسباب في الحقيقة ملغاة {أَنَّ الله عَزِيزٌ} قوي على النصر من غير سبب.
{حَكِيمٌ} [الأنفال: 10] يفعله على مقتضى الحكمة وقد اقتضت فعله على الوجه المذكور {إِذْ يُغَشّيكُمُ النعاس} وهو هدو القوى البدنية والصفات النفسانية بنزول السكينة {أَمَنَةً مّنْهُ} أي أمنا من عنده سبحانه وتعالى: {وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السماء} أي سماء الروح {مَاء} وهو ماء علم اليقين {لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ} عن حدث هواجش الوهم وجنابة حديث النفس {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان} وسوسته وتخويفه {وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ} أي يقويها بقوة اليقين ويسكن جأشكم {وَيُثَبّتَ بِهِ الاقدام} [الأنفال: 11] إذ الشجاعة وثبات الأقدام في المخاوف من ثمرات قوة اليقين {إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الملائكة أَنّي مَعَكُمْ} أي يمد الملكوت بالجبروت {فَثَبّتُواْ الذين ءامَنُواْ سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} لانقطاع المدد عنهم واستيلاء قتام الوهم عليهم {فاضربوا فَوْقَ} لئلا يرفعوا رأسًا {واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12] لئلا يقدروا على المدافعة، وبعضهم جعل الإشارة في الآيات نفسية والخطاب فيها حسبما يليق له الخطاب من المرشد والسالك مثلًا، ولكل مقام مقال، وفي تأويل النيسابوري نبذة من ذلك فارجع إليه إن أردته وما ذكرناه يكفي لغرضنا وهو عدم إخلاء كتابنا من كلمات القوم ولا نتقيد بآفاقية أو أنفسية والله تعالى الموفق للرشاد. اهـ.

.تفسير الآية رقم (17):

قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تقدم إليهم في ذلك، علله بتقرير عزته وحكمته، وأن النصر ليس إلا من عنده، فمن صح إيمانه لم يتوقف عن امتثال أوامره، فقال مسببًا عن تحريمه الفرار وإن كان العدو كثيرًا، تذكيرًا بما صنع لهم في بدر، ليجريهم على مثل ذلك، ومنعًا لهم من الإعجاب بما كان على أيديهم في ذلك اليوم من الخوارق {فلم تقتلوهم} أي حلَّ على المدبر الغضب لأنه تبين لكل مؤمن أنه تعالى لا يأمر أحدًا إلا بما هو قادر سبحانه على تطويقه له، فإنه قد وضح مما يجري على قوانين العوائد أنكم لم تقتلوا قتلى بدر وإن تعاطيتم أسباب قتلهم، لأنكم لم تدخلوا قلوب ذلك الجيش العظيم الرعب الذي كان سبب هزيمتهم التي كانت سبب قتل من قتلتم، لضعفكم عن مقاومتهم في العادة، وفيه مع ذلك زجر لهم عن أن يقول أحد منهم على وجه الافتخار: قتلت كذا وكذا رجلًا وفعلت كذا {ولكن الله} أي الذي له الأمر كله فلا يخرج شيء عن مراده {قتلهم} أي بأن هزمهم لكم لما رأوا الملائكة وامتلأت أعينهم من التراب الذي رماهم به صلى الله عليه وسلم وقلوبهم جزعًا حتى تمكنتم من قتلهم خرق عادة كان وعدكم بها، فصدق مقاله وتمت أفعاله.
ولما رد ما باشروه إليه سبحانه، أتبعه ما باشره نبيه صلى الله عليه وسلم دلالة على ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى قريشًا مقبلة قال: اللهم! هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، فقال جبرائيل عليه السلام: خذ قبضة من تراب فأرمهم بها، ففعل فملأت أعينهم فانهزموا فقال: {وما رميت} أي يا سيد المؤمنين الرمل في أعين الكفار {إذ رميت} أي أوقعت صورة قذفه من كفك، لأن هذا الأثر الذي وجد عن رميك خارق للعادة، فمن الواضح أنه ليس فعلك، وهذا هو الجواب عن كونه لم يقل: فلم تقتلوهم إذ قتلتموهم، لأن زهوق النفس عن الجراح المثخن هو العادة، فهم الذين قتلوهم حين باشروا ضربهم، فلا يصح: فلم تقتلوهم حتى قتلتموهم، والمنفيّ إنما هو السبب المتقدم على القتل الممكن من القتل، وهو تسكين قلوبهم الناشيء عند إقدامهم وإرعاب الكفار الناشيء عند ضعفهم وانهزامهم الممكن منهم، فالمنفي عنهم البداية والمنفي عنه صلى الله عليه وسلم الغاية، أو أن الملائكة عليهم السلام لما باشرت قتل بعضهم صح أن ينفي عنهم قتل المجموع مطلقًا، أو أنهم لما افتخر بعضهم بقتل من قتل نفاه سبحانه عنهم مطلقًا لأن مباشرتهم لقتل من قتل في جنب ما أعد لهم من الأسباب وأيدهم به من الجنود عدم، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه فعل ما أمر به من رمي الرمل ولم يعد فعله ولا ذكره، فأثبته سبحانه له مع نفي تأثيره عنه وإثباته لمن إليه ترجع الأمور تأديبًا منه سبحانه لهذه الأمة، أي لا ينظر أحد إلى شيء من طاعته، فإنا قد نفينا هذا الفعل العظيم عن أكمل الخلق مع أنه عالم مقر بأنه منا فليحذر الذي يرى له فعلًا من عظيم سطواتنا، ولكن لينسب جميع أفعاله الحسنة إلى الله تعالى كما نسب الرمي إليه بقوله: {ولكن الله} أي الذي لا راد لأمره {رمى} لأنه الذي أوصل أثره بما كان هازمًا للكفار، فعل ذلك كله ليبلي الكفار منه بأيدي من أراد من عباده بلاء عاقبته سيئة {وليبلي المؤمنين} أي الراسخين في الإيمان {منه} أي وحده {بلاء حسنًا} أي من النصر والغنيمة والأجر، ومادة بلاء يائية أو واوية بأيّ ترتيب كان تدور على الخلطة، وتارة تكون مطلقة نحو أبلاه عذرًا، وتارة بكثرة ومحاولة وعناء وهو أغلب أحوال المادة، وتارة تكون للامتحان وأخرى لغيره، وماأباليه بالة- أظنه من البال الذي هو الخاطر فهو من بول لا بلو، أجوف لا من ذوات الأربعة، ومعناه: ما أفاعله بالبال، أي ما أكترث به فما أصرف خاطري إلى مخالطة أحواله حيث يصرف خاطره إليّ أي ما أفكر في أمره لهوانه عليّ وسيأتي بسط معاني المادة إن شاء الله تعالى في سورة يوسف عليه السلام عند قوله تعالى: {ما بال النسوة} [يوسف: 50] وهذه المادة معناها ضد الدعة، لأن هذه يلزمها شغل الخاطر الذي عنه ينشأ التعب بمدافعة الملابس، والدعة يلزمها هدوء السر وفراغ البال الذي هو منشأ الراحة، فمعنى الآية أنه تعالى فعل ذلك من الإمكان من إذلال الكفار ليخالطهم من شئونه ما يكون لهم في مدافعته عاقبة سيئة، وليخالط المؤمنين من ذلك ما يكون لهم في مزاولته عاقبة حسنة بل أحسن من الراحة، لأنه يفضي بهم إلى راحة دائمة، والدعة تقضي إلى تعب طويل- والله موفق.
ولما ثبت بما مضى أن له تعالى الأفعال العظيمة والبطشات الجسمية.
ودلت أقوال من قال من المؤمنين: إنا لم نتأهب للقاء ذات الشوكة، على ضعف العزائم؛ ختم الآية بقوله: {إن الله} أي الذي له الإحاطة بصفات الكمال {سميع} أي لأقوالكم من الاستعانة في المعونة على النصرة وغيرها {عليم} أي بعزائمكم وإن لم تتكلموا بها، فهو يجازي المؤمن على حسب إيمانه والكافر على ما يبدي ويخفي من كفرانه. اهـ.